دور البنك المركزي المصري في تعزيز خدمات ذوي الهمم: التيسيرات والابتكارات في القطاع المصرفي
في السنوات الأخيرة، أصبح دعم فئة ذوي الهمم في مصر أولوية على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية. وتسعى الدولة جاهدة لتوفير أفضل سبل العيش لهذه الفئة المجتمعية الكريمة، والدمج الفعلي لهم في المجتمع. ومن بين هذه الجهود التي تعتبر محورية لتحقيق الشمول المالي، تبرز المبادرات التي أطلقها البنك المركزي المصري، الذي قام بتوجيه البنوك لتوفير خدمات مالية مبتكرة تتيح لـ ذوي الهمم الحصول على خدمات مصرفية تتناسب مع احتياجاتهم الخاصة، كما يتماشى مع رؤية مصر 2030.
تعتبر التيسيرات المصرفية لذوي الهمم من أهم أبعاد الشمول المالي، الذي يسعى البنك المركزي إلى تحقيقه من خلال تحفيز النظام المالي على توفير بيئة شاملة تساعد هؤلاء الأفراد في الحصول على منتجات وخدمات مالية بشكل سلس وآمن. ومن هذا المنطلق، تقدم البنوك المصرية مجموعة من الحلول الرقمية والتقليدية، إلى جانب العديد من التعديلات الإنشائية في الفروع المصرفية، لضمان تقديم خدمات ذوي الهمم بشكل يتناسب مع احتياجاتهم.
من هم ذوي الهمم؟
قبل أن نتعمق في الخدمات المصرفية لذوي الهمم، من الضروري أن نفهم أولًا من هم ذوي الهمم. وفقًا للتعريفات الحديثة والمعترف بها في مصر والدول العربية، يشمل مصطلح “ذوي الهمم” الأفراد الذين يعانون من إعاقات جسدية أو عقلية أو حسية، سواء كانت تلك الإعاقات دائمة أو مؤقتة. هذه الإعاقات قد تتنوع بين إعاقات حركية، بصرية، سمعية، أو عقلية، لكن على الرغم من التحديات التي يواجهها هؤلاء الأفراد، إلا أنهم قادرون على المساهمة الفعالة في المجتمع إذا تم توفير الظروف المواتية والملائمة لهم.
تسعى الدولة إلى تحقيق الشمول المالي لذوي الهمم، وهو ما يعكس اهتمامًا حقيقيًا بتلك الفئة، ويعني أن هذه الفئة يجب أن تتوافر لها جميع الخدمات المالية بشكل متساوٍ مع غيرهم من المواطنين، بغض النظر عن نوع الإعاقة التي يعانون منها.
أنواع ذوي الهمم:
تعد أنواع ذوي الهمم متعددة ومختلفة، حيث تشمل العديد من الفئات التي تتفاوت إعاقتها في شدتها وطبيعتها. ويمكن تصنيف هذه الإعاقات إلى عدة أنواع رئيسية، منها:
- الإعاقات الحركية: وهي تلك التي تؤثر على قدرة الفرد على الحركة بشكل طبيعي، مثل الأشخاص الذين يعانون من شلل، أو ضعف حركي نتيجة لإصابات أو أمراض معينة. هؤلاء الأشخاص يحتاجون إلى دعم خاص للوصول إلى الأماكن أو استخدام بعض الأدوات، مثل العكازات أو الكراسي المتحركة.
- الإعاقات البصرية: تشمل الأشخاص الذين يعانون من ضعف أو فقدان حاسة البصر جزئيًا أو كليًا. هذا النوع من الإعاقات يتطلب توفر تقنيات خاصة مثل “لغة برايل”، وأجهزة قراءة الشاشات المخصصة لتمكينهم من الوصول إلى الخدمات.
- الإعاقات السمعية: هؤلاء الأشخاص يواجهون صعوبة في السمع، سواء كان جزئيًا أو كليًا. يحتاجون إلى تقنيات خاصة مثل استخدام لغة الإشارة أو أدوات تقوية الصوت.
- الإعاقات الذهنية: تشمل الأشخاص الذين يعانون من تأخر عقلي أو صعوبة في التفكير والتفاعل مع الآخرين. يحتاج هؤلاء إلى دعم تربوي خاص، بالإضافة إلى خدمات مصممة لتلبية احتياجاتهم.
- الإعاقات المختلطة: وهي تلك التي تجمع بين أكثر من نوع من الإعاقات، مثل الإعاقة الحركية والعقلية معًا.
ومن هنا، يتضح أن تقديم خدمات ذوي الهمم يتطلب دراسة دقيقة ووعيًا كاملًا بمتطلبات كل فئة، وهو ما يميز الجهود التي تبذلها المؤسسات المالية بما فيها البنك المركزي المصري في محاولة لتيسير وتطوير تلك الخدمات.
البنك المركزي المصري: الرؤية والإجراءات
في سبتمبر 2021، أصدر البنك المركزي المصري تعليمات تهدف إلى تيسير حصول ذوي الهمم على الخدمات المصرفية والمنتجات المالية المختلفة، وهو جزء من سياسة الشمول المالي التي يحرص البنك على تعزيزها في كافة أنحاء الجمهورية. ولتحقيق هذه الغاية، وضعت التعليمات الصادرة من البنك المركزي خطة شاملة تهدف إلى تحسين الوصول إلى الخدمات المصرفية لجميع شرائح المجتمع.
تمثل هذه التعليمات جزءًا من توجه أوسع يهدف إلى توفير بيئة مصرفية شاملة تتيح للأشخاص ذوي الهمم الحصول على خدمات مصرفية بمختلف أنواعها، بما في ذلك فتح الحسابات المصرفية، إصدار بطاقات الخصم والائتمان، الحصول على القروض، والاستفادة من خدمات الدفع الإلكتروني، وغيرها.
خدمات ذوي الهمم: التيسيرات المبتكرة
سعت البنوك المصرية لتطبيق تلك التعليمات من خلال ابتكار حلول جديدة وتعديل السياسات والإجراءات لتتناسب مع احتياجات ذوي الهمم. من أبرز التيسيرات التي قدمتها البنوك ما يلي:
- تهيئة البنية التحتية: أول خطوة على طريق تيسير خدمات ذوي الهمم كانت تعديل البنية التحتية للبنوك والفروع المصرفية. تم تعديل تصميم الفروع، بما يشمل توفير ممرات منحدرة لذوي الإعاقات الحركية، وتسهيل حركة الكراسي المتحركة داخل الفروع. إضافة إلى ذلك، تم تجهيز العديد من الفروع بنظام علامات استرشادية لتوجيه العملاء داخل الفروع.
- تدريب الكوادر المصرفية: أعد البنك المركزي المصري خطة تدريب شاملة لكوادر البنوك، شملت تدريب أكثر من 5000 موظف على لغة الإشارة بالإضافة إلى تعليمهم كيفية التعامل مع ذوي الهمم. هذا التدريب يهدف إلى تسهيل عملية التواصل مع العملاء الذين يعانون من الإعاقة السمعية أو البصرية.
- توفير خدمات خاصة للمكفوفين وضعاف البصر: شملت التيسيرات المصرفية توفير ماكينات الصراف الآلي مجهزة بأرقام بارزة وطريقة برايل لتيسير السحب والإيداع لذوي الإعاقة البصرية. كما تم توفير شاشات ناطقة في الفروع لتسهيل استخدام الخدمات المصرفية للعملاء المكفوفين.
- الشروط والأحكام بلغة برايل: قامت البنوك بتوفير نماذج فتح الحسابات وعقود المنتجات المصرفية المختلفة بلغة برايل، ليتمكن المكفوفون من قراءة الشروط والأحكام الخاصة بالمنتجات بأنفسهم.
- الاستفادة من القروض والبطاقات: قامت البنوك بتقديم مجموعة من المنتجات المصرفية لذوي الهمم، مثل القروض الشخصية وبطاقات الخصم والائتمان بطاقة “ميزة”، وذلك بشكل يتناسب مع احتياجاتهم الخاصة. كما تم تصميم برامج خاصة لتحفيز ذوي الهمم على الاستفادة من هذه المنتجات.
- الزيارات المنزلية: لتيسير الوصول إلى خدمات ذوي الهمم، قامت بعض البنوك بتوفير خدمة الزيارات المنزلية لمساعدة العملاء من ذوي الهمم في إنجاز خدماتهم المصرفية دون الحاجة للخروج من منازلهم.
خدمة التواصل الهاتفي والمتابعة
أحد الابتكارات التي أطلقها البنك المركزي المصري كان توفير خدمة متابعة الحسابات عن طريق الاتصال الهاتفي بعد كل معاملة مصرفية، وهي خطوة تهدف إلى توفير الطمأنينة للعملاء من ذوي الهمم، خاصةً لأولئك الذين يعانون من صعوبة في قراءة كشوف الحسابات أو التعامل مع الأنظمة الإلكترونية.
الشمول المالي وخدمات ذوي الهمم
إن تيسير خدمات ذوي الهمم في القطاع المصرفي يساهم بشكل كبير في تحقيق الشمول المالي، الذي يعد جزءًا أساسيًا من خطة الدولة لتطوير الاقتصاد المصري. من خلال هذه الخدمات، يتمكن ذوي الهمم من الوصول إلى الخدمات المالية بسهولة ويسر، مما يسهم في تحسين جودة حياتهم الاقتصادية والاجتماعية.
يمكن القول أن جهود البنك المركزي المصري في تعزيز خدمات ذوي الهمم قد شكلت نقطة تحول كبيرة في توفير بيئة مصرفية شاملة وعادلة. من خلال التعديلات الإنشائية، التدريب المتخصص، واستخدام التكنولوجيا الحديثة، أصبحت البنوك في مصر أكثر قدرة على خدمة هذه الفئة المهمة، مما يعزز دمجهم في النظام الاقتصادي والمجتمعي بشكل فعال.
مقابر الروبيكي العاشر من رمضان